...تابع
ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على حصين – والد عمران بن حصين – جيء به وهو شيخ هرم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجادله في الإيمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "كم إلها تعبد" ؟ قال : سبعة ، ستة في الأرض وواحد في السماء .
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأسئلة : "من لحاجتك؟ من لرغبتك ؟ " ، فيقول : الذي في السماء .. الذي في السماء ... الذي في السماء ، فحجَه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القضية قال : " فما حاجتك بهؤلاء الآلهة ؟ ما حاجتك بغيره ؟! فكان ذلك سببا لإسلامه رضي الله عنه ، وقد جاء للاحتجاج على النبي صلى الله عليه وسلم في قضية التوحيد .
فإذن .. حينما نقر بأن الله هو الإله ، فهذا يتضمن أنه موصوف بجميع صفات الكمال .
وبهذا نعرف الجواب عن السؤال في معنى كون هذا الاسم ترجع إليه الأسماء الحسنى من جهة المعنى ، أي أن معناه يتضمن جميع معاني الأسماء الحسنى الدالة على الكمال ، فالله عز وجل ترجع إليه جميع معاني الأسماء الأخرى كالرازق ، والحي ، والقادر ، والمدبر ، والسميع ، والبصير وما إلى ذلك .
ولهذا قال جمع من أهل العلم : إنه الاسم الأعظم الذي إذا سئل الله به أعطى ، وإذا دعي أجاب ، فهو أعظم الأسماء الحسنى وأجلّها على الإطلاق ، كما أنه أيضا من الأسماء المختصة بالله تبارك وتعالى .. يعني بعض أسماء الله عز وجل يمكن أن يسمى بها المخلوق مثل العزيز ( وقالت امرأة العزيز ) ، أما ( الله ) فلا يمكن أن يسمي به أحد من المخلوقين ، فهو اسم مختص بالله تبارك وتعالى .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".
( الله لا إله إلا هو ) : هذه أشرف كلمة قيلت على الإطلاق ، وهي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. هي أصدق كلمة ،وأعدل كلمة .. ما قال قائل قط أصدق كلمة من هذه الكلمة .. كلمة الشهادة .. كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل ما قلت أنا و النبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) الحديث .
( الله لا إله إلا هو ) : أي لا معبود بحق سواه .
ثم قال : ( الحي القيوم ) : الحي : الذي له الحياة الكاملة من كل وجه ، فهي حياة لم تسبق بعدم .
المخلوق حي يوصف بالحياة .. ولكن الفرق بين حياة المخلوق وحياة الخالق ؟ .
حياة الخالق : لم تسبق بعدم ، هو الأول ، ولا يلحقها عدم ، وهو الآخر ، ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ..
حياة المخلوق مسبوقة بالعدم ، ويعقبها الفناء والعدم .. يموت الإنسان ، ويعتريها النقص والضعف والخلل بما يحصل للإنسان من الأوجاع والأمراض التي تكون ضعفا في حياته ، إضافة إلى السِنة والنعاس والنوم ، لأن النوم في الواقع هو موتة صغرى .. فنحن حينما ننام ، فنحن في الواقع نموت في كل يوم ، بل قد نموت في كل يوم عدة مرات ، فهذا نقص في حياتنا في الواقع ، وإن كان بالنسبة للمخلوق الضعيف الفقير المحتاج يُعد النوم كمالا في حياته ، لأنه لو لم ينم لكان ذلك علة ومرضا يستدعي ذهابه إلى الأطباء .. فهذا كمال ، ولكنه ليس كمالا مطلقا ، بل هو كمال نسبي يليق بالمخلوق .
أما إذا قيّمنا هذه الصفة ونظرنا إليها - النوم - من حيث هي ، فإنها لا تكون كمالا على سبيل الإطلاق ، بل هي كمال نسبي يليق بالمخلوقين فحسب .
أما الخالق فلا يليق به النوم جل وعلا ، لأن النوم نقص في الحياة ، ولهذا قال :
( الله لا إله إلا هو الحي ) : الذي له الحياة الكاملة ، لم تسبق بعدم ولا يلحقها عدم ، وهي أيضا لا يعتريها نقص ..
وهنا سؤال .. وهو أن أهل الجنة يخلدون فيها ، فهل يرد ذلك على كون الله عز وجل له الحياة الكاملة التي لا يسبقها عدم ، فما الجواب ؟ ..
بقاؤهم في الجنة .. هل قيامهم بأنفسهم ؟! ..
الجواب :
لا .. وإنما بإقامة الله عز وجل لهم ، فقيامهم مفتقر إلى إقامة غيرهم .. إلى إقامة الله تبارك وتعالى ، فهو ليس قياما بنفسه ، وإنما قيام بغيره .
أما قيام الله عز وجل وبقاؤه وحياته الكاملة فإنه مقيم لنفسه سبحانه وتعالى ويقيم غيره ..
وأنتم تلاحظون هذه المعاني المترابطة فيما يلوح لكم من الأسماء الآتية .. هو يقيم غيره ، ولا يفتقر إلى غيره في بقائه وحياته الأبدية .
وأما أهل الجنة فإنما بقاؤهم بإبقاء الله لهم .. فهم مفتقرون إليه كل الافتقار .
( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .. تلاحظون أن حرف العطف محذوف بين هذه الأسماء .. فما وجه هذا الحذف ؟ ، لماذا لم يقل الله لا إله إلا هو الحي والقيوم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم .. إلى آخره . لماذا لم يذكر العطف ؟.
إذا تأملنا في كتاب الله عز وجل نجد أن ذكر الأسماء الحسنى لا يذكر معه حرف العطف إلا في موضعين اثنين :
الأول : مع الاسم الموصول ( سبح اسم ربك الأعلى ، الذي خلق فسوى ، والذي قدر فهدى ، والذي أخرج المرعى .. ) إلى آخره .
والموضع الثاني : في مقام واحد في كتاب الله عز وجل ، وهو قوله تبارك تعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) في هذا المقام فقط .
لاحظ الآن .. الأسماء المذكورة هنا ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) هل هي أسماء متقاربة أم متقابلة ؟ .. متقابلة .. الأول والآخر ..
( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ).
فهذه الأسماء متقابلة تماما .. بينما المواضع الأخرى التي يحذف معها حرف العطف تكون متقاربة :
- تجد العزة مع الحكمة .. العزيز الحكيم .
- المغفرة يتبادر معها الرحمة .. الغفور الرحيم .
- والحياة ما الذي يناسبها ؟ .. يناسبها القيومية ، ولهذا قال ( الحي القيوم ) .. له الحياة الكاملة وهو أيضا قيوم .
قيوم .. صيغة مبالغة .. معناها : أنه قائم بنفسه ، مقيم لغيره سبحانه وتعالى ، قائم على خلقه في كل شيء ، قائم عليهم في حياتهم وفي أرزاقهم ، وقائم عليهم في آجالهم ، وقائم عليهم في كل شأن من شئونهم ، فهو الذي يدبرهم التدبير المطلق ، وهو الذي يحكم عليهم ولا معقب لحكمه جل وعلا ، هذا معنى القيوم . ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )
وهذا من كمال حياته ، فهو كما أنه قائم بنفسه هو أيضا مقيم لغيره .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".
( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وانظر إلى هذا المعنى العجيب الذي نفاه الله عز وجل بعد أن ذكر الحياة والقيومية ، فقد يتوهم المتوهم من ذكر حياته جل وعلا أن حياته كحياة المخلوقين ، يرد عليها ما يرد على المخلوقين من حاجة إلى الراحة ، وغياب عن هذا العالم المشاهد بالنوم أو ما دونه من مقدماته وهي السِنة ، فنفى الله عز وجل هذا الوهم فقال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ..
وحينما ينفي السِنة والنوم لا يكون ذلك نفيا لهذه المعاني الناقصة فحسب ، بل إن النفي في كتاب الله عز جل إذا نفى الله عز وجل عن نفسه أو عن كتابه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال ضده ، فإذا قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فهذا يتضمن ثبوت كمال حياته سبحانه وتعالى .
أما نحن الضعفاء الفقراء المساكين فحسبنا النفي ، فيقال : فلان ليس ضعيفا ، فلان ليس عالما ، فلان ليس جاهلا ، فيكون مبلغ ذلك الكلام هو نفي هذه الصفة فحسب ولا يتضمن ذلك ثبوت كمال الضد .
أما إذا نفى الله عن نفسه شيئا من النقائص أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو عن كتابه فإن هذا يتضمن ثبوت كمال ضده ، فيكون ذلك إثباتا لكمال حياته وقيوميته .
( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وما معنى السنة ؟ .. السنة هي : مقدمة النوم وخثورته والضعف الطبيعي الذي يعتري الإنسان قبل أن ينام . هذه هي السنة .
وبعض العلماء يقولون هي والنعاس بمعنى واحد .
وبعضهم يفرقون بينهما فيقولون :
- السنة في الرأس .
- والنعاس في العين .
- والنوم في القلب .
وهنا ذكر الله السنة ولم يذكر النعاس ، فتكون السِنة والنعاس بمعنى – أي واحد – والله أعلم .
فنفى الله عز وجل عن نفسه مقدمة النوم وهي السنة أو النعاس ، ونفى النوم وهو غياب الإنسان هذا الغياب الطبيعي عن العالم المشاهد بحيث أن حواس الإنسان وقلبه وعقله يفتر ، فلا يحس بما حوله ، لا يشعر بشيء مما حوله .
قد يقول قائل : نفى الله عز وجل السنة ونفى النوم ، أما كان يكفي أن ينفي السنة فيكون نفي النوم من باب أولى ؟ ، أو ينفي النوم فيكون ذلك أيضا نفيا أيضا لمقدماته ؟ ، فما الجواب ؟ .
الجواب /
يقال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أن السنة قد ترد من غير النوم ، فيدافع الإنسان النوم ، فيحصل له نعاس ولكن لا يحصل النوم ، قد توجد السنة منفردة عن النوم ، وقد يوجد النوم من غير سنة .. أليس كذلك ؟ .. فنفى الله عز وجل الأمرين .
ولاحظ هذا النفي أنه أدخل بينهما لا النافية مرة أخرى ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) وكان يكفي أن يقال لا تأخذه سنة ونوم ، ولكن مبالغة في التوكيد وأن كل واحد منهما منفيا على سبيل الاستقلال ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أي ولا يأخذه نوم .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".
ثم قال : ( له ما في السماوات وما في الأرض ) .. هذا الإله العظيم الذي له جميع أوصاف الكمال ، وله القيومية الكاملة ، والحياة الكاملة ، ولا يعتريه غفلة ولا نقص بوجه من الوجوه .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) بعد أن قرّر أنه تبارك وتعالى لا تعتريه الآفات ، ولا تغيره الليالي والأيام كما تُغير البشر ، فهو الكامل الكمال المطلق ، الذي لا يرد عليه نقص بوجه من الوجوه " لا تأخذه سنة ولانوم "، قال ( له ما في السماوات وما في الأرض ) ..
( له ) : اللام هنا للمُلك .
العلماء يذكرون ثلاث ( لامات ) ، ما هي ؟ ..
- لام الاستحقاق .
- ولام الاختصاص .
- ولام الملك .
نحن نأتي بفوائد علمية ، وأحيانا لغوية ،وأحيانا تربوية ، ليكون هذا الدرس فيه أشياء متنوعة من الفوائد ، تقرأون في بعض الكتب فتدركون بعض المعاني ، وتتصورون بعض القضايا التربوية من كلام الله عز وجل –
ما الفرق بين اللامات الثلاث ؟ ..
الآن اللام : حينما نقول ( الكأس لزيد ) .. الآن الكأس ذات .. ذات أم معنى ؟ .. ذات .
- أضفناه إلى ذات ، فإضافة "ذات" إلى "ذات من شأنها أن تملك" - الذات المضاف إليها - ، تكون : اللام للملك . ( الكأس لزيد ، السيارة لمحمد ، البيت لصالح , القلم لسعيد ) .
- إذا أضفنا "ذات" إلى "ذات ليس من شأنها أن تملك" : صارت اللام للاختصاص ( المفتاح للسيارة ) المفتاح ذات والسيارة ذات ، ولكن السيارة ليس من شأنها أن تملك ( الباب للمنزل ، السلك للمكبر ، الورق للمسجد ) .. فهذه اللام : لام الاختصاص .
- باقي اللام الثالثة وهي لام الاستحقاق .. أن نضيف "معنى" إلى "ذات" مثل ( الحمد لله ) الحمد معنى أم ذات ؟ .. معنى .. ( لله ) اللام للاستحقاق .
تقول ( الشكر لله ) الشكر معنى ، فاللام للاستحقاق .. وهكذا .
فهنا يقول ( له ما في السماوات ) اللام ما نوعها ؟ .. لام الملك .. ( له ما في السماوات ) أي ملكا . و ( ما ) صيغة عموم تدل على العموم ، أي جميع ما في السماوات السبع كله ملك لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي كل ما في الأرض هو ملك لله عز وجل .
ولا حظ أن السماوات مجموعة ، والأرض مفردة ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) فلماذا تذكر السماوات مجموعة والأرض مفردة ، إذا ذكرت السماء والأرض ؟ ما الجواب ؟.
الجواب /
يمكن أن يقال - والله أعلم - : الأرض اسم جنس ، يدل على الواحد والجمع فيشمل ذلك الأرضين السبع .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي ملكا ، وهذا يدل على سعة ملك الله عز وجل ، وإذا علم العبد أن الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض فهل يطلب الغنى من غير الله تبارك وتعالى ؟ .
كل ما في السماوات وما في الأرض ملك لله عز وجل ، فإذا افتقرت واحتجت ، إلى أين تلجأ ؟ .. إلى الله وحده لا شريك له ، فهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، والمخلوق الضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز ) فنحن وما نملك كلنا ملك لله عز وجل .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".